عندما يحتاج الإنسان أن يرى وجهه بتفاصيله يقف أمام مرآة ناظراً إليها، ولكن إذا أراد أن يرى داخله فأي مرآة يمكن أن يستخدم؟
المرآة الحقيقة للإنسان هو كلام الله في الكتاب المقدس، به يقارن بين ما يقرأ من وصايا الله وما يعيشه يومياً، هذه المقارنة يسميها الآباء القديسون بالعودة إلى الذات وذلك لكشف مكنوناتها، وكما يقف الإنسان أمام المرآة المادية يومياً عليه أن يقرأ كلام الله أيضاً، ويومياً، مفتشّاً عن الكثير من الأوساخ المتراكمة به بسبب الخطيئة.
الإنسان الذي لا يقرأ كلام الله وباستمرار لن يكون له مرآة ليرى فيها ذاته إن كان بها أوساخ أم لا، وإذا لم يرى هذه الأوساخ أو الخطايا كيف سينظفها ويطهرها؟ وبدون كلام الله ،ومع مرور الزمن، سيمتلئ من أوساخ هذا العالم وخطاياه وبالتالي لن يستطيع أن يقف أمام الله يوم الدينونة؟ لأن من سيدخل ملكوت السموات هم هؤلاء الذين غسلوا وبيّضوا ثيابهم فقط (رؤ14:7).
مثلاً يقول الله: “لا تقدرون أن تخدموا الله و المال” هذه الوصية تدفعنا للعودة إلى الذات لنرى أين نحن منها هل أحببنا المال أكثر من الله؟ عندها يصبح كلام الله هذا مرآة تعكس حقيقة ما في داخلنا، فإذا اكتشفنا أننا نحب المال أكثر فعلينا أن نبدأ بالتخلّي عن هذا التعلّق بالماديات لنستطيع أن ننطلق نحو الله بحرية وتحرر من أي رباط يشّدنا نحو الأرض.
تقع مسؤولية وجود هذه المرآة على عاتق الأهل، وذلك أن يبدأوا بتشجيع أبنائهم على قراءة كلام الله ليكون لهم مرآة ليعرفوا ذواتهم أكثر وسراجاً في حياتهم الصعبة و منارةً مضيئةً في طريق حياتهم المظلمة بالخطايا والشرور.
هذه المرآة يمكن أن تتحطم وتتشوه عندما يتواجد أشخاص يفسّرون الكتاب المقدس على هواهم ووفقاً لآرائهم الخاصة، وهذا ما فعلته الهرطقات عبر العصور، إذ خرجوا عن الإيمان الصحيح، وبالتالي تشوّهت مرآة حياتهم أو تحطّمت، فعندما يقف أي إنسان أمام كلام الله المُفَسّر بطريقة غير صحيحة وغير مستندة على مفهوم الآباء القديسين فلن يرى داخله بشكل صحيح أو بصفاء وبالتالي لن يستطيع بمقدوره رؤية أوساخها ولن ينقّيها ويطهّرها وبالنتيجة لا خلاص له.
سبب آخر لتحطم المرآة وتشوهها هو قراءتنا لكلام الله على أساس أهوائنا، فنفهم منها ما يناسبنا وما يوافقنا ونغيب عن الحقيقة، ليصبح كلام الإنجيل الذي نقرأه مرآة لرغباتنا وضعفنا لأننا لم نفهم هذا الكلام على ضوء وصايا الله وروحه القدوس بل على أساس الأهواء والتشوهات الفكرية الموجودة فينا.
حتى لا تتحطم هذه المرآة علينا قراءة الكتاب المقدس عبر الكنيسة عندها نضمن نقاوة في التفسير والشرح لأنها ستكون من الآباء القديسين الذين تعبوا في حياتهم لاقتناء الروح القدس وبالتالي كل تفسيراتهم تكون مُلهَمة من الله ذاته.
أخي، لا تبعد هذه المرآة عن حياتك، ولا تساعد الشيطان أن يشوهها ولا أن يحطّمها، بل إقرأ الكتاب المقدس ومن خلال الكنيسة عندها تستطيع رؤية ذاتك بوضوح وبحقيقة وبها تستطيع أن تملك إمكانية الخلاص.